تمهيد في
خضم الحياة الجديدة , التي عمت وطغت , خفت صوت
الداعين للعمل في ميادين الكتابة ,حتى وصل
درجةً من الجمود ,جعلت الدواة و اليراع يغطان
في سباتٍ عميق ,و من وقت لآخر لا بد أن يُهزّ
الوجدان , ليسّاقط -
في نهاية مخاضٍ
عسير - رطبٌ من جني القرائح و الأخيلة . و
هذه المجموعة- بين أيديكم - ليست سوى ثمرةً
لهواجس استثنائية محفوفة بالبنى الرمزية ,
وعصيّة على الأخذ من زاوية المنظار الواحد . عمد
فيها - محمود عنقاوي – بتعسفٍ جليّ ,لتخطّي
"المونولوجات " ,قافزاً نحو "ديالوجات
" قصيرة ,توشّح القصص بمضمون
و لا تطرحه منال اليد بسهولة ، و يؤدي فيها
فلسفة الباطن و الظاهر ،بتواتر و تدرّج و
انسيابية ، و يترك "طُعماً " واقعياً
سرعان ما يغلّه بقيود " النهايات المفتوحة
" و ضمائر الوصل المتناثرة ، بين الجمل
الاسمية و الفعلية المتواصلة ، و المكثّفة
بتعبير نمطي قصدي و موجّه ،لتُميل إلى حالة من
التوعّك الوجداني و العتمة الذهنية . و
تتداعى بين ثنايا هذه المجوعة توافقات زمنية
،إلى جانب التباعد المكاني بغية تنبيه
الإرادة ،و رسم انعكاساتٍ بمثابة العبوة
الناسفة . و
الجدير بالذكر ، أنّ –عنقاوي –
ينحى في معظم قصصه منحىً تقليدياً في الكتابة
القصصية ، و يتجاوز في الألفاظ و التعابير
التي تترك المضامين حائرةً لا مكان لها ، على
أنه يبدو اشكالياً، حين يُسقط أبطاله ،
باحثاً عن آمالٍ غامضةٍ ، بعيدة المنال . كما
أنّ مجموعة( قفّاز واحد يكفي ) حافلةٌ
بالدلالات و الانزياحات ، ولا تخلو- كذلك
الأمر –
من اسقاطٍ اسميٍّ أو أكثر ، توجَّهُ جميعها ،
عبر إشاراتٍ عابرة ، أو تهيمن على بيئته
القصصية المنسوجة من أولّها حتّى نقطة
النهاية . على
أنّ "عنقاوي "لا يحاذر من الانحدار نحو
نوعٍ خاصٍ من اليأس ، بعد صورةٍ أنيسة ،وهو
بذا ، يغرق في ذاتيّةٍ مجلجلة ، ترسو من خلال
ضمائر المتكلم ، و تتخذ من مظاهر و إيقاعات
الطبيعة حالة تجاوبٍ يبثّها الزمان و المكان
معاً ، و يولّي هارباً لأعاليه إذا ما لامسته
وشائج النهج الرومانسي ، لتحرق لديه المخيلة
، فيرسلها لفظاً بانزياحٍ حقيقي ، وتعويمٍ
ملموس . و
القاصّ "عنقاوي " يتكّئ بلا شك على
ملاحظة دقيقة لتفاصيل الأمور ، ويجرّب ، مّرة
تلو المّرة ،تقنيات العرض ، ويعرض للمتناقضات
باجادة ويغوص في ربطه بين السخرية الخفية ،
والشكل الرائج للقصة المعاصرة . و
أخيراً ، فلهذه المجموعة مذاقٌ خاص ، و عبقٌ
يرشد إلى " عنقاوي " على وجه التحديد ، و
يفتح أحضان الكتابة لقاصٍ نوعيٍ جديد .
د. وليد
السويركي
أستاذ الأدب الفرنسي –جامعة اليرموك
|
|